فيروس سي ، هل يعد فيروسًا خاملًا؟
هناك العديد من الالتهابات التي تحدث للكبد ويمكنها أن تؤثر على وظيفته بشكل كبير، قد تحدث هذه الالتهابات لأسباب متعددة مثل تعاطي الكحول بكميات كبيرة، والسموم، وبعض الأدوية، وبعض الحالات الطبية كذلك بالإضافة إلى بعض الفيروسات الكبدية مثل فيروس A و B و أكثرهم شيوعًا طبعًا: فيروس سي.
تكمن خطورة وشهرة فيروس سي في أنه يتحول عادةً كما سنذكر لاحقًا إلى حالة من الخمول التي يصعب معها تشخيصه، فضلًا عن الأضرار الكارثية التي يمكن أن يلحقها فيروس سي الخامل بكبدك. فما هو فيروس سي الخامل وما الذي يفعله في المدة التي يقضيها في جسدك بالتحديد قبل أن يعلن عن نفسه؟ وإلى أي مدى يكون خروجه إلى العلن صادمًا ومفاجئًا، هذا ما سنتعرف إليه سويًأ فيما يلي.
الفرق بين التهابات الكبد الثلاثة A – B – C :
على الرغم من أن كل من التهابات الكبد الثلاثة يمكن أن يسبب أعراضًا مماثلة، إلا أنها تنتشر بطرق مختلفة ويمكن أن تؤثر على الكبد بشكل مختلف. يظهر التهاب الكبد A في شكل عدوى قصيرة المدى.في حين يبدأ التهاب الكبد B والتهاب الكبد الوبائي C كعدوى قصيرة الأجل أيضًا إلا أن الفيروس في بعض الأشخاص يظل في الجسم لفترة أطول ويسبب عدوى مزمنة (مدى الحياة). بالطبع هناك لقاحات لمنع حدوث التهاب الكبد A والتهاب الكبد B. لكن ما يجعل الأمر مختلفًا مع فيروس C، هو عدم وجود لقاح له بعد، مما يجعله أدعى للتوطن والخمول.
يحدث التهاب الكبد الوبائي الحاد خلال الـ 6 أشهر الأولى بعد تعرض الشخص لفيروس التهاب الكبد الوبائي. يمكن أن يكون التهاب الكبد C مرضًا قصير المدى، لكن بالنسبة لمعظم الناس، غالبًا ما تؤدي العدوى الحادة إلى التهاب مزمن. يحدث هذا في حوالي 75 % – 85 % من حجم الأشخاص الذين يصابون بهذه العدوى.
يمكن أن يتحول فيروس سي الخامل إلى عدوى مدى الحياة إذا ترك دون علاج، بالإضافة إلى المشاكل الصحية الخطيرة التي يمكن أن يتسبب بها، بما في ذلك تلف الكبد وتليف الكبد (تندب الكبد) وسرطان الكبد وأكثر من ذلك حتى: الوفاة!
المرحلة المزمنة من فيروس سي الخامل:
بعد ستة أشهر، يكون 70٪ إلى 85٪ من المصابين تقريبًا قد فشلوا في إزالة الفيروس تلقائيًا من أجسادهم. بعد هذه الفترة، يدخل فيروس التهاب الكبد الوبائي C إلى ما يعرف باسم “المرحلة المزمنة”. ويتم تأكيد التشخيص عن طريق اكتشاف المادة الوراثية الخاصة بالفيروس في الدم في مناسبتين على الأقل خلال ستة أشهر.
يعني تشخيص فيروس سي الخامل أن المعركة بين الفيروس والجهاز المناعي التي تحدث خلال المرحلة الحادة من الإصابة، قد ربحها الفيروس في النهاية. وأنه قد أصبح من غير المحتمل الآن أن يتم إزالة الفيروس من دون علاج.
كيف يتطور مرض فيروس سي الخامل ثم يختلف اختلافا كبيرا من شخص لآخر؟
بعد سنوات عديدة ، سيكون لدى بعض الأشخاص تلف بسيط في الكبد بدون أي ندبات بينما يحدث للآخرين تليف كبير للكبد في أقل من عشر سنوات. في المتوسط، يستغرق الأمر حوالي عشرين عامًا لتطور ندبات الكبد إلى درجة التليف.
لا يزال من غير المعروف حتى الآن ما إذا كانت عدوى فيروس سي الخامل تؤدي حتما إلى تليف الكبد في نهاية المطاف. لكن في الوقت الحالي، يُعتقد أن هذه نتيجة محتملة للغاية، قد يستغرق 50 عامًا أو أكثر بالنسبة لبعض الأشخاص. وربما تحدث الوفاة بسبب أمراض أو أسباب أخرى قبل ظهور تليف الكبد.
تختلف كذلك أعراض الإصابة أو الأضرار التي لحقت بالكبد بشكل كبير من شخص لآخر. بعض الناس لديهم أعراض قليلة غير ملحوظة ربما لسنوات عديدة – وهنا يكمن خطر الإصابة كما ذكرنا. كما يمكن أن يكون للأعراض آثار واضحة على صحتهم.لكن غالبًا ما لا يُعلن الفيروس عن نفسه في صورة إعراض إلا في حالات متقدمة جدًا من التلف.
كان يعتقد في الأصل أن الفيروس يصيب خلايا الكبد فقط. لكن في الآونة الأخيرة، أصبح معروفًا أن فيروس سي الخامل يصيب أيضًا أجزاء من الجهاز المناعي وبعض خلايا الدم وربما الدماغ. هذا يعني أن فيروس سي الخامل ليس مجرد مرض كبدي لكنه يؤثر أيضًا على الأعضاء الأخرى في الجسم.
مراحل تطور التهاب الكبد الوبائي خلال المرحلة المزمنة لفيروس سي الخامل:
يؤدي التهاب الكبد الوبائي إلى موت خلايا الكبد، من غير المؤكد ما إذا كان الفيروس نفسه هو الذي يقتل الخلايا أم أن استجابة الجهاز المناعي لغزو الفيروس هي التي تفعل ذلك. في الوقت الحالي، يُعتقد أنه مزيج بين الأمرين، إلا أن استجابة الجهاز المناعي هي التي تتسبب في إحداث الضرر الأكبر.
يؤدي موت خلايا الكبد إلى إرسال الخلايا المناعية المضادة للالتهاب إلى المنطقة المصابة، مما يتسبب في تضخم حجم الكبد في أكثر من 60٪ من المصابين بـ فيروس سي الخامل. كما يمكن أن يتسبب في تمدد غمد الليف الليفي (كبسولة غليسون) المحيطة بالكبد، والذي قد يكون سببًا للألام في منطقة الكبد.
تبدأ الالتهابات عملية التليف. ولا يعد التليف بحد ذاته مرضًا ولكنه حالة تسببها استجابة الجسم لتلف الكبد. يؤدي الالتهاب إلى حدوث تفاعل من جانب مجموعة من الخلايا في الكبد تسمى الخلايا النجمية أو الخلايا الدهنية. عندما يعمل الكبد عادة تقوم الخلايا النجمية بتخزين الدهون وفيتامين أ في الكبد، وتساعد كذلك في تنظيم تدفق الدم عبر الكبد. وعند التهاب الكبد، يحدث ردة فعل بين خلايا الكبد المختلفة. تجبر ردة الفعل هذه الخلايا النجمية الاستغناء عن فيتامين (أ)، وتغيير وظيفتها.
بالحديث عن خلايا الكبد المصابة والملتهبة فإنها تصدر دائمًا إشارات كيميائية تسمى “السيتوكينات”. التي تقوم بدورها بتحفيز كريات الدم البيضاء من خارج الكبد للانتقال إلى منطقة العدوى. وعند الوصول، يتعاونون سويًا مع خلايا كوبفر (خلايا الدم البيضاء المتخصصة التي تعمل على تحييد وإزالة البكتيريا والفيروسات والطفيليات والخلايا السرطانية من الكبد) ويقومون بإنتاج إشارات كيميائية أخرى. هذه الإشارات تجعل الخلايا النجمية تبدأ في إنتاج ألياف الكولاجين التي تبدأ في التكثف بشكل كبير جدًا في المساحات البينية حول الخلايا.
كيف يحدث تليف الكبد بعد الإصابة بفيروس سي؟
الكولاجين هو بروتين ليفي أساسي لتشكيل أنسجة التليف، تستخدمه عادة الخلايا المناعية للحد من انتشار العدوى إلى خلايا أخرى. عندما يتم حل العدوى أو الإصابة، يقوم نسيج الكولاجين بالتحلل بشكل طبيعي، حيث تموت الخلايا النجمية النشطة، مما يسمح للأنسجة بالعودة إلى وضعها الطبيعي. أما في مرض مزمن مثل التهاب فيروس سي الخامل، تنمو أنسجة الكولاجين بسرعة كبيرة جدًا ولا يمكن إذابتها بشكل صحيح، وهذا يؤدي إلى تراكم الأنسجة وحدوث التليف. بعد وقت معين، تفقد خلايا الكبد الإمداد الدموي الذي يحمل العناصر الغذائية والأكسجين ويؤدي ذلك إلى موتها. يحدث هذا في شكل حلقات مفرغة، حيث يقوم كلا من الالتهاب والخلايا الليفية بتحفيز بعضها البعض مما يؤدي إلى زيادة التليف.
هناك سبب آخر محتمل للتليف وهو التلف الذي تسببه الجذور الحرة. وهي عبارة مواد كيميائية شديدة التفاعل إنها ناتج ثانوي للتفاعلات الطبيعية للخلية مثل توليد الطاقة وانهيار الدهون. خلال هذه التفاعلات، يتحول الأكسجين إلى صورة فوق الأكسجين الجذري. عادة ما يكون للخلايا آليات لحماية نفسها من مخاطر الجذور الحرة. لكن عندما يتم إنتاج أعداد كبيرة منها، أو إذا لم يتم التحكم فيها بشكل صحيح، فهناك احتمال كبير في أن تتسبب في تلف الخلايا والأنسجة.
في النهاية، كما تعلم، فإن الكبد من أهم الأعضاء في جسدك، وبقاؤه سليمًا مرهونًا ببقائك أنت حيًا. كما أنه ليس له شبيهًا يعوضه أو يقوم بدوره بشكل ثانوي حتى كبعض الأعضاء الأخرى. لذا، ننصحك دائمًا بالفحص وإجراء التحاليل الدورية للكشف عن أي عطب في وظائفه، بالتحديد إذا بادرتك إحدى عوارض خلله. كذلك ننصحك بمباشرة العلاج الفوري بمجرد التشخيص وعدم إرجاء هذا أو التهاون فيه تحت أي ظرف كان.